Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

حناويه، وقبر الملك حيرام الكبير .. حكاية عمر

خاص موقع شباب حناويه::

يأخُذُك الطريق العام ، الممتد من صور إلى بنت جبيل ، إلى حكاية صخرةٍ يتيمةٍ على جانب الطريق ، كانَ من بداخلها ذات نهار ، ملكاً متربّعاً على عرش صور ، عايشَ بزوغ الشمس وغروبها طيلة فترة من الزّمن ، حيث كانت لذّة العيش أجمل وأرقى ، وكانت صور بضخامة تاريخها وجغرافيتها لا تزال حارة صغيرة تصدّر الحَرْف، القمح والإنسان ، من جنوبٍ مضطهَدٍ إلى “أرض الله الواسعة ” .
ولطالما أخذ هذا الشكل الصخري رمزاً لصور ومنطقتها ، وبالأخص بلدة حناويه حيث دُفِن الملك حيرام ، ولا أدري إن كان من باب المصادفة في منطقتها العقارية .
في سنة 980 ق م تولى حيرام بن ابي بعل عرش صور وعمره عشرون عاما ً ، ووصلت صور في ايامه الى مركز حضاري وتجاري لا يجارى ، وأصبحت بحق ” درة البحر الأبيض وسيدة الاوقيانوسات ” .
وكان حيرام نشيطا ً ومهتما ً بالمحافظة على ما حققه اسلافه من نجاحات خارج الحدود الصورية ، فشن حربا ً ضد الكتيين ( القبارصة ) لعصيانهم وتمنعهم عن دفع الجزية ، وارجعهم الى الطاعة .
وفي عهده شهدت صور حركة عمران واصلاح لم يعرفها تاريخ المنطقة من قبل ، إذ وجه عنايته بادئ ذي بدء الى حاضرته وعاصمة ملكه . وكانت صور حتى القرن العاشر تتألف من جزيرتين الشمالية ( الرئيسية ) التي كانت تقوم عليها المدينة ، والصغرى الى الجنوب الغربي ، التي لم يكن عليها آنذاك سوى هيكل بعل السماء .
وقد سد حيرام القناة المائية التي كانت تفصل بين الجزيرتين ، ووسع مساحة المدينة وجلب كميات كبيرة من الصخور والحجارة من الجبال الى شرق الجزيرة الرئيسية ، فربح بذلك مساحات اضافية توسعت المدينة عليها .
وأولى حيرام دور العبادة عناية خاصة ، فرمم القديمة منها ، وجلب خشب الارز من جبال لبنان لسقفها وأعاد بناء هيكلي ملقارت وعشترت ، وأقام عمودا ً من الذهب في هيكل بعل السماء .
ولم يقتصر الاعجاب بهذه المنجزات على الصوريين وحدهم ، بل تعداهم الى جيرانهم الذين بهرتهم عظمة صور وتألقها في عهد ملكها الشاب ، فأخذ ملوك وأمراء الدويلات المجاورة يتوددون اليه وينشدون صداقته ، وكان داود ملك الاسرائيليين ابرز هؤلاء ، فلم يبخل عليه حيرام بذلك ، وأرسل له ” خشب ارز وبنائين ونجارين “.
وبعد موت داود ارسل حيرام وفدا ً الى سليمان لتهنئته ” لأنه سمع أنهم مسحوه ملكا ً مكان ابيه ، لأن حيرام كان محبا ً لداود كل الايام ” .
والمؤرخون اليهود الذين يروون عن صداقة حيرام للملكين اليهوديين لا يخفون ان غنى سليمان وازدهار عاصمته كانا نتيجة صداقته وتحالفه مع جيرانه الصوريين . ولقد بلغ اعجاب اليهود بملك صور درجة جعلتهم ينسجون حوله كثيرا ً من الخرافات والاساطير، وما وصف حزقيال له وتشبيهه بملاك في الفردوس ، يتمشى على جبل الله المقدس بين الحجارة الكريمة الا تأكيد لما بقي في ذاكرتهم من تقدير لهذا الملك الصوري العظيم .
ورد اسمه في سفر أخبار الأيام “حورام”, 9 حيث ورد في المقروء “حورامْ”, وورد في المكتوب “حيرام”. وقد ورد في العبرية مكتوبا أيضًا “حيروم” . اسم عبري وفينيقي اختصار اخيرام ومعناه “الاخ يُرَفّع”.
وهو ملك صُور. بناء على الاقتباس الذي يقتبسه يوسفيوس من المؤرخ الفينيقي ديوس, ومن الأخبار التاريخية الصورية التي ترجمها ميناندر, فإن حيرام خلف أباه ابيبعل, وملك 34 سنة, ومات وهو في الثالثة والخمسين من عمره, وقد وسع مدينة صور ببناء رصيف على الجانب الشرقي, وبنى كذلك ممرًّا يربط المدينة بالجزيرة التي قام عليها هيكل جوبتر أو بعل سميم, وكرس عمودًا ذهبيًا في هذا الهيكل, ورمم المقادس القديمة, وسقفها بأرز قطعة من لبنان, وشيد هياكل لهرقل وعشتاروث. وكان صديقًا لداود وسليمان . وفي وقت ما, بعد أن استولى داود على قلعة صهيون, ارسل حيرام سفارة اليه, وعندما اشتهى داود قصرًا, قدم له حيرام خشب الارز وبنائين ونجارين . وكان هذا على ما يتضح قبل مولد سليمان. وعندما اعتلى سليمان العرش, ارسل تهنئاته. وقد قدم ارزًا وسروًا لبناء الهيكل, وصناعًا مهرة ليساعدوا في تجهيز الخشب والحجر, وفي مقابل هذا دفع له سليمان حنطة وزيتًا .
ولذلك قدم حيرام 120 وزنة من الذهب , وانضم مع سليمان في ارسال بعثة بحرية إلى اوفير لأجل هذا المعدن الثمين . ولذلك قدم له سليمان مقابل بعض من خدماته 20 مدينة في الجليل, لكنه رفضها , وقد اطلق اسم حيرام على غير هذا الملك من ملوك الفينيقيين. وقد اكتشف في جبيل تابوت لملك يدعى احيرام وقد ظن بعضهم انه هو نفس الملك الذي عاصر داودوسليمان.
تسلم حيرام المُلك في صور وهو شاب في العشرين من عمره ، وكان ذكيا فطينا واسع الثقافة كبير الاطلاع ، وافر النشاط ، وقائدا شجاعا مقداما ، وبناءً محباً للعمران ، ومصلحا من الطراز الممتاز ، بعيد النظر واضح الرؤية طموحا حكيما بنفس الوقت . بلغت صور في عهده اوج ازدهارها وانتعاشها ، وتبوأت مركزا حضاريا اقتصاديا لا نظير له ، حتى صارت تدعى اميرة المدن وملكة البحار حاولت قبرص التي كانت خاضعة لها التمرد ، وعندما تسلم حيرام الملك ، غزاها واعاد بسط سلطانه عليها .

وكانت صور قبله مترامية بين جزيرتين منفصلتين ، الشمالية منها تضم المدينة نفسها ، والجنوبية الصغرى يرتفع عليها هيكل بعل السماء ، فأمر بجلب كميات كبيرة من الصخور والحجارة والاخشاب ، من الجبال المرتفعة شرقي المدينة ، وطمر القناة بين الجزيرتين ، فكبرت المساحة المخصصة لتوسع المدينة . وانصرف بعد ذلك الى التعمير والبناء ، فرمم الهياكل القديمة ، واعاد سقفها بخشب الارز الذي اتى به من جبل لبنان ، ثم اعاد بناء هيكل ملقارت الكبير ، فجعله آية في الجمال والفن والهندسة ، كما بنى هيكلا لعشتروت ورفع عامودا من الذهب في هيكل بعل السماء على الجزيرة الصغرى . وامتدت شهرة صور في عهد حيرام الى بلاد وآفاق بعيدة ، فراح ملوك وامراء الدويلات خاصة المجاورة لها ، يتوددون لها ويطلبون صداقتها ، وكان سليمان بن داوود ملك “اسرائيل” في مقدمة اولئك الملوك ، فارسل عندما اراد ان يبني هيكلا لالهه ، يطلب من حيرام ان يرسل له بنائين من صور ، لكي يبنوا له الهيكل ، لان اليهود كانوا مختلفين جدا ، لا يعرفون فنون البناء ، فجرى اتفاق بين الاثنين بعد ذلك على ان يقوم حيرام بارسال بنائين مع كميات كبيرة من خشب ارز لبنان لبناء الهيكل ، لقاء ان يقوم سليمان بتسليم عشرين مدينة في منطقة الجليل المتاخمة لمدينة صور الى حيرام .فتصبح تابعة له ، لأن معظم سكانها كانوا كنعانيين وآراميين . حتى بلدة الناصرة الجليلية ، التي اصبحت فيما بعد بلدة المسيح لم تكن يهودية بل ” اممية ” اي كنعانية آرامية ، ولذلك قال عنها اليهود : ” لا يخرج منها شيء صالح .” تم الاتفاق على ذلك ، فارسل حيرام الى اورشليم كميات كبيرة من خشب الارز مع بنائين ماهرين ، يرأسهم مهندس صوري فينيقي ” حكيم صاحب فهم ، ماهر في صناعة البناء والذهب والفضة والنحاس والحديد ونقش كل نوع من النقوش ” يدعى حيرام ابي لكي يبني الهيكل ، فذهب وقام بالمطلوب منه خير قيام ، وبنى لسليمان هيكلا على صورة مصغرة لهيكل ملقارت الكبير في صور الذي لم يكن له شبيه في العالم . وتوطدت الصداقة بين حيرام وسليمان بعد ذلك ، فنال الاخير ارباحا كبيرة من هذه الصداقة ، لان سفنه كانت ترافق السفن الصورية ويقودها في البحر بحارون فينيقيون ويعودون بها تحمل خيرات كثيرة ” وذهبا وفضة وعاجا وقرودا وطواويس ” يصيب منها سليمان مقادير كبيرة . وحصل حيرام بفضل مهارته السياسية ، ومقدرته كرجل دولة وقائد محنك وعالم كبير ، على احترام الشعوب له ، واعجب به اليهود اعجاباً كبيراً ، فمدحه نبيهم حزقيال فيما بعد مدحًا جميلا وشبهه ” بملاك في الفردوس ، يتمشى على جبل الله المقدس بين الحجارة الكريمة ” كما تغنى بصور التي ازدهرت في عهده ازدهاراً رائعا كبيرا لم يبلغه سواها من المدن .. ووصفها بقصيدة نشك بنسبتها اليه بل ننسبها الى شاعر فينيقي . كان حيرام يرسل لسليمان الغازاً لكي يحلها ، فيعجز عن ذلك بالرغم مما كان يقال عن فرط ذكائه وحكمته ، ويضطر لدفع مبلغ من المال ، بينما كان يحدث العكس مع حيرام .. فيحل كل الالغاز التي كان يرسلها له سليمان ، او يستعين بربيبه الشاب النابغة عبدمون من اجل ذلك . حكم حيرام 45 سنة كانت مليئة بالتحقيقات الكبيرة ، والاصلاحات المجيدة ، تاركا لابنه بعل بازور ملكا موطدا ثابت الاركان ، ومسجلا في التاريخ ذكرا خالدا عاطرا لرجل دولة ، كان ناجحا في سياسته ، شريفا في تعامله ، قائدا منتصرا في حروبه ، متفوقا في ثقافته الواسعة وعلومه الوفيرة .

 

زر الذهاب إلى الأعلى